زمان كان جدي أو جدك لما يشعر بشوية صداع، يجري يروح لحلاق الصحة.. يخبطه موسين جنب عينه، أو يدق له عصفورة.
ولو النظر دغشش شويتين.. يبقى الششم موجود، أو زيت القنديل.
ولو خسَّع شوية في المسائل إياها.. تبقى شوربة كوارع ترجع الشيخ إلى صباه.
أما لو كان الموضوع أخطر من ذلك.. فيظهر العطار على الساحة بوصفاته السهلة.. جداً ومصطلحاته التي كان الجميع يحفظها عن ظهر قلب..
الحبهان، والجاوي، والمستكة، وورق الحنة، وزيت البرافيل، وعين العفريت.. وودن الجن.. وشنب المارد...الخ.. الخ.. الخ.
أما لو الأمر كان أخطر وأخطر، فيكون وقت الطبيب،
وأعتقد أن أيامها لم يكن في مصر سوى دكتور واحد أسمه وليام، لأني عندما كنت طفلاً كنت أسمع سيدة عجوز تدعي على ابنها كلما أخذ منها ربما خمسه أبيض بدون رغبتها فتقول: " تصرفهم عند وليام بحق اليوم المفترج "
لكن الزمن تغير، والتطور شمل نواحي الحياة كلها وخصوصاً الطب. لكن يبدو أن التطور في المحروسة يختلف مفهومه عن أي دولة في العالم، واحتمال أن الناس تفهم يقترب من احتمال ظهور الغول أو العنقاء.
فلو كنت ماراً بسور الأزبكية، أو بجوار مسجد السيدة زينب، أو حتى بشارع النبي دنيال من جهة محطة مصر، فلابد أنك سوف ترى مع الباعة على الرصيف ابتكاراً مصرياً لم يتوصل له أطباء العالم، ولا حتى علماء الذرة في أمريكاً.
والمُفرح أن مصر برعت أيضاً في صناعته بطريقة لا تسمح لكبرى الشركات العالمية بالتفكير في المنافسة،
هذا بالطبع بعدما نجحت مصر في صناعة إبر بوابير الجاز ( بعدما انتهى عصر وابور الجاز طبعاً )، والأستيكة الرائعة التي كانت تحول الورقة بقدرة قادر من اللون الأبيض إلى اللون الأسود، والكراسة المدرسية التي لم تختلف عن ورق اللحمة، ويوم جاء الريان وعمل الغلاف الدوبلكس والورق الفاخر.. طلعوه من هدومه.
إنه القرطاس السحري.. القرطاس العجيب.. فيه شفاء لكل عليل لاسيما وأن البائع دائماً يقول لك بعدما تشتريه وهو يمشط لحيته بأصابعه.. " الشفاء من عند الله "
ولا يغفل أن يُحيط المعلوم بهالة من الإيحاء كأن يُشغل بجوار بضاعته شريط للشيح محمد حسان، أو يُشعل أعواد البخور لتعبق المكان.
تجد القرطاس ملفوفاً بطريقة خاصة أشبه بحجاب الشيخة مستكة، وطبعاً لم يغفل التطور التكنولوجي فتجده في كيس بلاستيك شفاف ومعه كتالوج الاستخدام واسم المرض الذي يشفيه بإذن الله .... ما هو كله بإذن الله.
السكر، الضغط، الدوالي، القرحة، الصدفية، الثعلبة،.. والنمسة كمان زوجة النمس.
علاج تساقط الشعر، علاج حب الشباب، تفتيح البشرة.. تفتيح الدماغ.
تقوية الأظافر، تصغير الودان، تكبير الصدر، نفخ الشفايف، نفخ الـ .....
المشكلة إن الناس بتشتري وهى عارفة.. ومتأكده إن جوا القرطاس شوية ( فيه ) على شوية ( مفيش ).. يمكن شوية ورق شجر ناشف، على حتتين زباعة، على شوية هجص مالوش أي لزمة.
لكن لما بدأت المعجزة تتحقق وبدأ الناس تفهم بنسبة واحد من الألف في المائة؛ تطور القرطاس.. كالفيروس التي يغير من شكله حتى يتخفى من كرات الدم البيضاء،
سموه حجامة، وسموه الطب البديل، رغم إن القرطاس قرطاس حتى لو لفوه في ورق سيلوفان.. هو برضه قرطاس، والحجامة والطب البديل شيء آخر.
ولما أقبل عليه الناس تحت مسماه الجديد، التقطت الفكرة شركات الاستثمار الحديث ( شركات اخطف واجري )، ولمَ لا وكل ما يكلفهم هو موديل صاروخ أرض جو تظهر في إعلان التليفزيون وهى لابسة من غير هدوم وتقول: نحن ملوك الجمال في الشرق الأوسط،
طبعاً لأنها تعرض قرطاس لإزالة الترهلات، أو الشعر الزائد، أو لتثبيت الرموش أو تطليع الروح.
وبعدها يأتي شيخ ذقنه مترين يُعلن عن قرطاس لعلاج آلام المفاصل أو النقرس أو تصلب الشرايين، أو يأتي دكتور يُعلن عن قرطاس لعلاج العجز الجنسي ( دا على أساس إن شوربة الكوارع مش نافعة )..
والناس ما بتصدق.. وتجري تشتري القراطيس،
انزل بقى الشارع وعد كام قرطاس ماشي،.... ومن قرطاس لقرطاس .. يا قلبي لا تحزن.
1 Comment
انت مش ممكن .. اسلوب يموت من الضحك .. وشر البلية ما يضحك .. انت موهبة بجد .. بتجيب التشبيهات والكلام ده منين؟ و سلملى عل القراطيس .. مع تحيات واحد ساب القراطيس والجمل بما حمل و "هج" بره .. سلام
8/8/09 12:23
Post a Comment